توفيق بن بريك: شخصية جدالية غريبة الأطوار يجيد إدارة المعارك الفكرية ويوجهها ولا يريد أن يكون محبوبا عند خصومه... يستفزك في كتابته
توفيق بصن بريك: .. بقلم الأستاذ عادل الحداد...
شخصية جدالية غريبة الأطوار يجيد إدارة المعارك الفكرية ويوجهها ولا يريد أن يكون محبوبا عند خصومه... يستفزك في كتابته ويمتحن تسامحك مع الغريب من الأفكار والمواقف... يوجعك أحيانا بتطرفه اللغوي وغرابة حكيه... في كثير من الأحيان تجده يصطف في الضفة الأخرى غير المنتظرة.. لا يهتم لتصنيفه كثيرا ولا يعير اهتماما بالصندوق الذي نريد أن نحشره فيه... يداعب بالقرص بعض قناعاتنا وبالهمز بعض قيمنا ويجد متعة بصنيعه هذا.. قدرته فائقة على استجلاب أساطير التاريخ ليلبسها كساء قد لا يعجبك ويكلفها بأدوار قد لا تروق لك لكنك لن تمتنع عن الاعتراف بطرافة صنيعه وانتاجه.. يكتب بلغة راقية ولا يعيبه وضيع الكلام يخرجه في أكثر من لسان.. لا يتباهى بفصحى هو قادر عليها ولا يستنكف عامية تلبس رث الألفاظ... يكره المناطق الوسطى ... لا تعبر في رأيه عن غرض عميق. نعم، خذل الكثيرين منا حين اصطف إلى جانب نبيل القروي وانخرط في الدفاع عنه ولم نجد في ميله هذا ما يعزز مكانته بيننا فخسر ما خسر من رصيده عندنا... وطلقته قلوب منا طلاقا هو ابغض ما يحصل مع شخص احببناه حين وقف ضد جور النظام السابق واضطهاده للأحرار. حزت في نفوسنا تفاصيله وقد صغرت ودقت.
هذا الرجل يمكن أن يكون في أي مكان، كل الأمكنة تناسبه على تباعدها، في مقهى فاخر أو مقهى شعبي، في مطعم خاصة الخاصة أو في مطعم مزدحم بالفقراء يطل على نهج الكبدة، في حانة نزل فاخر أو في خمارة شعبية قريبة من ساحة برشلونة أو مساء يوم بشارع الحرية، في متاحف أكبر عواصم العالم يتأمل لوحة فنية أو في كوخ من اكواخ قرانا الجميلة يتأمل شجرة تكابد القحط والجفاف تمتد عروقها في يبس الأرض، في القنوات التلفزية باختلاف درجات اشعاعها أو على أمواج إذاعات محترمة أو غير محترمة، في مكاتب الجرائد المشهورة الخاصة بكبار المحترفين او في تلك التي يرتادها الهواة بحثا عن فرصة نشر نص في الأركان الخفية، في صالونات المفكرين البورجوازيين أو في الساحات العامة يمشي مع الكادحين والمفقرين او حتى مع الصعاليك.
كل الأماكن تناسبه وتليق به، باستثناء مكانين: كرسي وثير بمكتب مغلق بوزارة وسرير رث بزنزانة سجن مظلم..
لم يطلب الكرسي الوثير فلا تفرضوا عليه السرير الرث.
هذا رجل تختلف معه... إنه رجل يمكنك أن تجادله دون أن تطيعه أو تتبعه... قد تكرهه دون أن تستحسن أسره أو سجنه.
الحرية لتوفيق بن بريك حتى لا تحل عندنا الديكتاتورية من جديد وحتى لا تضيق الزنزانات بأصحاب الرأي ويكون ازدحامها بغير حق.