دهشة: لبنان واستجلاب الاستعمار انفجار بيروت ليس من الحوادث العادية التي يمكن ان تمر دون مخلفات عميقة قد تترتب عليها انفجارات من طبيعة مغايرة وفي أماكن
دهشة: لبنان واستجلاب الاستعمار... بقلم الأستاذ عادل الحداد
انفجار بيروت ليس من الحوادث العادية التي يمكن ان تمر دون مخلفات عميقة قد تترتب عليها انفجارات من طبيعة مغايرة وفي أماكن أخرى غير لبنان. والألم من الموت المدمر لا تسكّنه حملات التعاطف ومشاعر التعاطف رغم طابعها الإنساني الرفيع.
بعض الأخبار الواردة علينا من لبنان تدفع الكثيرين منا إلى الدهشة خاصة بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت وما اتاه من أفعال تجاوز بها الأعراف الديبلوماسية... وكانت دهشتهم أكبر حين طلب حشد كبير من اللبنانيين الرئيس الفرنسي بعدم توجيه إعانات عينية ونقدية للبنان لأنها ستسرق وتنهب وستذهب في جيوب النخبة ولن يستفيد منها الشعب اللبناني. هناك يقين راسخ لدى طيف واسع من اللبنانيين أن من يحكمهم لا يزيدون عن كونهم زمرة لصوص رغم شرعيتهم الانتخابية. (طيف واسع من التونسيين لهم أيضا نفس هذا لإعتقاد ويتساءلون عن مصير الهبات والمساعدات التي جاءت باسمهم منذ 2011 وبمناسبة انتشار كورونا). وبلغت الدهشة أوجها حين علمنا أن حزءا هاما من الشعب اللبناني ينادي بوصاية جديدة على لبنان ويستجدي، بالعرائض التي يمضيها، استعمارا يراه أنفع للناس وأرحم بهم من استقلال ترعاه حكومات مثل حكوماتهم وتسهر عليه "نخب" مثل نخبهم... يسهل، طبعا، رمي الداعين لمثل هذا بالخيانة واتهامهم باللاوطنية والموالاة للاستعمار والحركات الصهيونية المدمرة للكيان اللبناني والكيان العربي برمته...
بعيدا عن هذا، نحتاج إلى تعقل هذه الدعوة وتفسير هذه الظاهرة التي بلغت بجزء كبير من اللبنانيين إلى هذه الدرجة من اليأس من "نخبتها" وانعدام الثقة بها ومن قدرتها على قيادة لبنان على درب خير اللبنانيين.
لهذه الظاهرة اسباب عديدة ومتداخلة لا محالة... ومن بين هذه الأسباب أن هذا الانفجار (الدعوة إلى الاستعمار ) وليد لقاء متناقضين: لقاء الديمقراطية الحديثة ببنية الذهنية التقليدية. إنه لقاء مميت لأمل خلاص شعوبنا من التخلف والفقر والجهل والاستبداد... نحاول، بقدر المستطاع، أن ندير "الديمقراطية الناشئة" بذهنية القبيلة ونريده لقاء سلسا مريحا للجميع... نريده لقاء محافظا يراعي منزلة الطوائف ولا يفسد النعرات الجهوية والانتماءات القبلية ويحترم مقدساتنا ولا يخدش اسلامنا السياسي ويكرس اللامساواة بين الرجال والنساء ويقيد الحرية بالقوانين الجائرة ويضفي أولوية على التكفير على حساب التفكير ويسبّق الولاء للعائلة او للحزب على الكفاءة والجدارة ولا يعيره الجهل والحط من قدر العلماء وذوي الخبرة والشعراء والأدباء ويحتضن بلطف عاداتنا وتقاليدنا ويدعمها ويمج الإبداع والتجديد ويقبل بإهانة الذات الإنسانية ولا يعيره انتهاك حقوق الإنسان ويستحسن انتهاك حرمة الأفراد ويتساهل مع الاختلاس ويتعامل مع القوانين بمكاييل مختلفة ويوزع السلط بمنطق منكم أمير ومنا أمير ويتعامل مع خزينة الدولة كغنيمة ويبرر العنف حين يمارس على خصومه وينتصر للدم على حساب الحق ويقبل على نفسه ركوب أبنائه قوارب الموت دون ان ينتفض... لقاء يسائل المدنية والعلمانية والمواطنة ويتظنن فيها ولا يسائل أجهزته التقليدية... يستحسن وصاية الشيوخ ولا ينتبه إلى مرور القرون ويعتقد أن فقهاء القرن العاشر أكثر دراية منا بأحوالنا ويملكون في كتبهم الصفراء أفضل العبر والحلول.. لقاء لا يستهجن أن تكون الأحزاب كالعشائر ومنخرطوها مريدين لا مواطنين من أحرار تشد العصبية بعضهم إلى بعض وتكون مصلحة الرموز عندهم وكبرياؤه أهم من مصلحة الأوطان وعزتها وأن يكون "المجتمع المدني فيه كومة من الجمعيات ما خفي فيها اخطر مما ظهر..
ما ضر استقدام الاستعمار بدل ركوب قوارب الموت للذهاب إليه؟
إن هذا اللقاء هو بمثابة تكديس للبارود فوق فتيل قابل للاشتعال في كل لحظة ويجعل ديمقراطيتنا حقلا من الألغام.
إن تجربة الديمقراطية حين لا تصاحبها تبدلات عميقة وجذرية في البنية الذهنية عبر التفكيك والتحليل والنقد (ما يسميه بعضنا بالثورة الثقافية) تكون ديمقراطية هشة قابلة للانفجار في كل حين وتنذر بالفوضى العارمة أو باستطابة الاستعمار أو باستحسان الديكتاتورية..
شعوبنا بلغ يأسها من "نخبتها" حده فاستبدلت آمالها في دولتها بأوهام قد يأتي بها مستعمر، أي مستعمر. العار يقترفه الحكام وتتحمل اعباءه الشعوب.
![]() |
الأستاذ عادل الحداد |
التعليقات