ثلاثة أسابيع مرت على هذا الشهر الذي أخذت فيه العيوب حجما كبيرا وتورمت الجروح ورشح منها القيح وفاحت روائحها الكريهة وتوسعت البقع السوداء حتى أتت على كل
شهر نوفمبر 2020 الذي طال وهذه حصيلته على الحساب وقبل الاكتمال: بلغ أنين الوطن مداه.
ثلاثة أسابيع مرت على هذا الشهر الذي أخذت فيه العيوب حجما كبيرا وتورمت الجروح ورشح منها القيح وفاحت روائحها الكريهة وتوسعت البقع السوداء حتى أتت على كل الألوان أو يكاد:
° تفاقمت معاناة المواطنات والمواطنين وهم يكدون من أجل العيش ويتحيلون على مصاعبه فرادى وما عادوا قادرين على ابتداع حيل جديدة يقاومون بها بؤس الحياة؛
° ازداد عدد العاطلين ممن لم يعملوا قبلا وممن عملوا وأفلست مؤسساتهم فخسروا مواطن شغلهم وضاعت أسرهم في الزحام؛
° معاناة بناتنا وأبناؤنا وهم يدرسون نصف وقت ونصف برنامج ونصف قسم ونصف تقييم وتحصيلهم أقل من نصف تحصيل ويواجهون مع مدرسيهم ويل الوباء ولا يعلمون إن كان مدرسهم سيكون، في الحصة التالية، بينهم أم سيقرؤون نعيه الافتراضي؛
° يواصل وباء الكورونا انتشاره بيسر أكبر وبلغت أرقام الإصابات والوفيات حدا قياسيا أمام عجز المنظومة الصحية العمومية على المواجهة وقدرة المنظومة الصحية الخاصة على الاستثمار المميت... وفي كل يوم نفقد قريبا أو صديقا أو عزيزا ونكتفي بالترحم عليه عن بعد ونتنادى بالصبر. ومع انتشار الوباء اللعين انتشرت انفعالات الخوف والفزع واليأس نعيشها "صباحا مساء وقبل الصباح وبعد المساء ويوم الأحد" لتنضاف طقوس بؤس الموت إلى تقاليد بؤس الحياة؛
° تواصُل إبهارنا للعالم بتشبثنا بديننا الحنيف ونصرتنا للرسول الكريم برفع الكثيرين منا شعار "إلا رسول الله" استجابة لنداء خليفة اسطمبول وانطلاق حملة "مقاطعة فرنسا" وقد أضحى "إسلامنا في خطر" ... وعرفت بدايات الشهر تبرير الذبح والقتل واستحسان ما يأتيه الإرهابيون في بلدان الكفرة وجرى تكفير المتعقلين والمتريثين والمنبهين في بلد "حرية الضمير" وسارع البعض إلى تجديد إعلانهم إسلامهم بتغيير صورهم على جدرانهم الافتراضية وتذييلها بشعارات النخوة والصمود؛
° تنامي النعرات الجهوية والقطاعية والفئوية تحت شعار "الرخ لا" بما يهدد "وحدة الدولة" و"وحدة الوطن"، يغذيها بؤس الناس ويخصبها الاستثمار السياسي وبؤس السياسات وينفخ في نارها الفساد والتهريب والكسب المريح والاقتصاد في الجهد وتدهور قيمة العمل وروح "البستنة" ونهج "الكومرة" وغلق أبواب كان من المفروض فتحها.. من تبعات ذلك تفاقم الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات وغلق الطرقات وتسكير الفانات والكل يطالب بحظه من ثروة تعطل إنتاجها فبات أهالينا في بعض الجهات بلا ماء وبلا غاز يواجهون به صقيع هذه الأيام؛
° انزياح حكومة الكفاءات عن "استقلالياتها" وخضوعها للضغوطات من كل صوب مما زاد في ارتباك مجمل قراراتها وضيّق عليها هامش المناورة السياسية وادخلها في مطبات لا تحمد مآلاتها أمام "تعنت" البنك المركزي وابتزاز الصناديق الدولية والتلاعب بالأرقام وصعوبات المالية العمومية في الانتهاء من ضبط الميزانية التكميلية لسنة 2020 وقانون المالية لسنة 2021 وحيل التغلب على العجز فيهما وزرع الشياطين في التفاصيل بالمغالطات دفعا للمناكفات؛
° اعتراف وزير الداخلية بتورط ضباط كبار من الأمن في التهريب وتسريب المخدرات واعتراف وزير الدفاع بضلوع ضباط من الجيش في التسامح مع الإرهاب والتواطئ مع الإرهابيين ودعمهم زادا في التظنن على أهم مؤسسات الدولة وانذرا بقطع "شعرة معاوية" التي تصل الشعب بأعتى مؤسسات دولته فضلا على الشكوك المتزايدة المتعلقة بفساد ينخر منظومة الديوانة رفعها إلى السطح تحويل البلاد إلى مصب لزبالة الطليان؛
° نشر فضيحة تقرير "محكمة المحاسبات" على العموم الذي أكد ما تناقلته الألسن من تشكيك في مصداقية انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية هز من شرعية مجلس نواب الشعب والسلطة التشريعية وفي أحقية ثلث أعضاء المجلس بكراسيهم بفعل المال الفاسد والتمويلات الخارجية. ومع ذلك يستمر مجلس الشعب في تحوله إلى "مجلس الشغب" حتى بلغ التلاسن والعنف اللفظي والسباب العلني في الجلسات العامة والتدافع الجسدي في الأروقة درجة ضاقت بها قلوب التونسيات والتونسيين وعم القرف منه بعدما تقيأ عدد من النواب (معذرة للشرفاء) أسوأ ما في بطونهم وصدورهم وعقولهم؛
° تفكك منظومة العدالة بما طال "السلطة القضائية" من صراعات داخليه خفية أصبحت الآن علنية مست من "هيبة القضاء" وكشفت إمكانية ارتهانه لبعض القوى التي تحركه من وراء ستار. نعيش هذه الأيام على وقع اتهامات متبادلة بين رموزه (السيدان بشير العكرمي والطيب راشد)، هذا يتهم ذاك بالكسب غير المشروع وذاك يتهم هذا بالتستر على ملفات الإرهاب وحماية الإرهابيين بالتلاعب بآلاف الملفات. يحدث هذا مع تواصل إضراب السادة القضاة وصمت المجلس الأعلى للقضاء وبهتة الجميع وتنبير المنبرين؛
° بقاء "صواريخ الرئيس" جامدة على منصاتها قبل زيارته الرسمية لقطر وبعدها وصمته المتواصل عما يجري في البلاد من تفكك و"مؤامرات" و"خيانات" تحاك في الخفاء وتدبر بالليل والنهار وهو الحائز على مرتبة "كبير فقهاء" "الرابطة العالمية لفقهاء القانون الدستوري" ورئيسها.
° استمرار "الإعلام" في بث برامج تغذي "الوعي الرث" وتصنع ولاء الرأي العام إلى هذه الجهة أو تلك بتكثيف حضور وجوه "مجها" المشاهدون والمتابعون ونفر منها العاقلون واقتراح أشباه الحلول لأشباه المشاكل من طرف أشباه الخبراء. ويستمر تعطل عمل المؤسسات الثقافية بعضه من الجائحة ومعظمه من إرادة تجفيف منابع التفكير والإبداع. أما الطيور الخارجة عن السرب من الإعلاميين والمثقفين فتواصل سعيها الشقي بين شقوق الصخور والنبش بالأظافر على سطوحها؛
° تصلب "المفارقة العجيبة": "صمت الحكماء وإحجامهم عن الكلام" زمن "حرية التعبير والكلام". وقد عبر عميد المحامين اليوم السيد ابراهيم بودربالة عن هذا الإحجام الذي رده إلى "الخوف" بفعل إلجام النخب عن صدق الكلام بعد أن أضحت الحرية حرية تكفير وسباب وشتيمة وفتك وتلفيق وغمز وهمز وقدح ومهاترات. لقد أصبحت نخبنا غير قادرة على اختراق هذا الجدار الذي تكثفت صلابته حولها فاختنقت حناجرها وقصُرت ألسنتها وامتنعت صدورها وعقولها عن الفيض بمكنونها فتحصن كل فريق منها بقلاع ربوته يحاكي نفسه ويغازلها وينشغل بهمومه بعيدا عن صخب العوام وضجيجهم وعمّا يرتضيه المستمعون من رذالة في القول وعقم في التفكير وإيهام بحسن المصير وخداع وتلذذ بالخطاب المهين ونشوة بتعاظم الكراهية.
° تواصل مزاجية اليسار واستمرار التفاخر بنقاوته وتمدد تناحر الزعامات ونرجسيتهم والوعد بالمراجعات التي لا تأتي مع تواصل غيابه في جداول أرقام الزرقوني.
كل هذا ولا نعلم ما الذي سيجري في الأسبوع المتبقي من هذا الشهر غير السؤال "صبوشي؟" وما خفي عني كثير.
