الاستاذ عادل الحداد : إن المسائل الكبرى التي طُرحت في تاريخ البشرية وغيرت من نسقه وبدلت نمط عيشها إنما طُرحت دوما "قبل الأوان" وفي زمان سابق عليه...
حول "الأوان": الإنسانية جدارة لا تنتظر الأوان : بقلم الاستاذ عادل الحداد
إن المسائل الكبرى التي طُرحت في تاريخ البشرية وغيرت من نسقه وبدلت نمط عيشها إنما طُرحت دوما "قبل الأوان" وفي زمان سابق عليه... لأن "التاريخ" ليس مجرد وعاء للأحداث ولا هو مجرد كومة من الوقائع تتتالى في الزمان. إنه، في نفس الوقت، فضاء صراع بين إرادات وحصيلة هذا الصراع.. ومحطاته المختلفة تؤشر على بعضِ غلبةٍ تحقق بفعل صراع الإرادات. في التاريخ توجد مفارقة عجيبة: لا يوجد فيه "أوان موضوعي" يمكن أن ننتظره حتى يحل ويوجد فيه "أوان موضوعي" نتحسر عليه حين يفوت... مصدر هذه المفارقة أن التاريخ لا يتغير بالقوى التي تدفعه وفق حتمية صارمة بل يتغير أيضا ويسرع في نسق تغيره بالأفكار والقيم التي ينجذب إليها بفعل الإرادة، لذلك يمكن للتاريخ أن يتخلص من رتابته ويحيد عن مساره فيشهد نكوصا إلى الوراء أو طفرات إلى المستقبل... إن الإرادة "سببية تكسّر السببية الطبيعية" (كانط)
ليس وجيها، في رأيي، أن نختزل التاريخ في الأحداث التي وقعت بل علينا توسيع دلالته لتشمل القيم الإنسانية
التي ينجذب إليها الناس من قبيل: الحرية والعدالة والمساواة... إنها قيم ليس "لأوانها" ميعادا بالنسبة إلى الإرادات التي ترنوا إلى الاستباق... لذلك كانت الشعوب لا تقبل التغير إلا وهي مكرهة عليه وتميل إلى النكوص إلى الموروث المعلوم أكثر من ميلها إلى القفز إلى المستقبل المجهول إلا حين يبلغ وعيها مرتبة اختيار "المجهول" على "المعلوم"...
ليس وجيها أن نختزل تاريخ البشرية في ما تحقق.. إنه أكثر من ذلك بكثير .. يحوي طموحات الشعوب التي لم تتحقق وآمالها التي عبرت عنها نخبها ولم يحن بعد أوانها.
- ماذا لو انتظر سقراط "أوانا" للتفلسف يكون فيه التفكير الفلسفي في " أوانه"؟ ماذا لو بقي الناس في "كهفهم" في انتظار الأوان (امثولة الكهف / أفلاطون)؟ لضاق بنا الكهف وازدحم قاعه. ماذا لو انتظر الكندي وابن رشد وغيرهما "الأوان"؟ لكنا إلى اليوم ننتظر الأوان..
- ماذا لو انتظر عنترة الأوان الذي يقول له فيه شداد "كر فأنت حر"؟ لبقيت الحرية وضعا يخص المجانين.
- ماذا لو انتظر كوبرنيك ومن بعده قاليلي الإعلان عن دوران الأرض؟ لظلت أرضنا إلى اليوم ثابتة في مركز الكون.
- ماذا لو انتظر أحمد باي أوان إلغاء العمل بنظام الرق (1846)؟ لبقي سوق النخاسة عندنا من أجمل الأسواق.
- ماذا لو انتظر زعماء تونس أوان الإقرار بإجبارية التعليم للأبناء تونس ذكورا وإناثا؟ ماذا لو انتظر اباؤنا حلول الأوان ليرسلوا أخواتنا إلى المدارس والمعاهد والكليات؟ ألم ينعتوا، بسبب فعلهم هذا، بأسوأ النعوت بحجة "هذا سابق للأوان"؟ لو انتظروا لكان أغلبنا الآن من الذكور والإناث يبصم بإبهامه.
- ماذا لو انتظر بورقيبة "أوان" منع تعدد الزوجات وإصدار مجلة الأحوال الشخصية؟
ماذا لو انتظر جدنا الأول "أوان" حك حجرين من الصوان ليوقد نارا؟ لبقينا، إلى اليوم، نلوك اللحم النيء في الظلام الدامس ننتظر الأوان.
يبدو أن "الإنسانية الحق" كانت دوما "قبل الأوان" وجدارة لا تنتظر الأوان.
إن حلول الأوان يستلزم إرادة شُجاعة تجعله أوانا في ميعاده. أَمَا آن أوان الأوان؟
-
التعليقات