ماذا سيقول المتظاهرون وأية شعارات سيرفعون؟ هل سيستحسنون الفقر الذي هم فيه والبطالة التي عليها أبناؤهم وبناتهم؟ هل سيمجدون البحر الذي التهم أبناءهم
تساؤلات حول "قطار قابس":
قرر حزام الحكومة السياسي النزول إلى الشارع للتعبير عن معاضدته للحكومة ضد "تعنت" رئيس الجمهورية وضد القوى السياسية والمدنية والشعبية المعارضة التي تنادي بإسقاطها أو حتى بإسقاط المنظومة ككل. انطلقت الأحزاب المعنية في حشد أنصارها وتأمين تنقلهم من مختلف الجهات تحت عناوين مختلفة: "نصرة الشرعية"، "نصرة الشريعة"، "نصرة الدين"، "الواجب المقدس" أو حتى التهديد "بحرب أهلية" إذا تواصل هذا التعنت وتواصل الحرص على إسقاط المنظومة. لا تملك هذه الأحزاب عناوين أخرى لحشد مناصريها وليس لها ما تتباهي به وقد أدت سياساتها منذ سنوات إلى تفكيك الدولة وتفقير الشعب وتدهور كل الخدمات وإفلاس مختلف المؤسسات العمومية وتفاقم البطالة والتخفيض في ترقيمنا السيادي إلى B3 مع أفق سلبي والعجز عن مواجهة جائحة كورونا التي أخذت منا الكثير من أصدقائنا وأعزائنا والكثير من أهالينا الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم في انتظار تلقيح قد يأتي بعد الأوان.
ماذا سيقول المتظاهرون وأية شعارات سيرفعون؟ هل سيستحسنون الفقر الذي هم فيه والبطالة التي عليها أبناؤهم وبناتهم؟ هل سيمجدون البحر الذي التهم أبناءهم بعد أن أغرق مراكبهم؟ هل سيطالبون، على عكس المناوئين، بالزيادة في الأسعار والتخفيض في الأجور والترفيع في الأداءات لإنقاذ المالية العمومية وتسوية ثغرات قانون المالية؟ هل سيشيدون بحال المدارس والمستشفيات والحافلات الصفراء والطرقات الملساء؟ هل سيباركون توريد الفسفاط والبصل والقلوب البيضاء واغتصاب الأتراك لاقتصادنا وصناعاتنا المحلية وتخريبها؟ هل سيطالبون فرنسا مجددا بالبترول والملح المنهوب منذ عقود؟ هل سيمجدون إغراق البلاد في الديون وانهيار الدينار؟ هل سيرفعون شعارات ضد "المساواة" والحريات ويطالبون الحكومة بأن تكون أكثر حزما وشراسة في مواجهة خصومها وأكثر لينا مع المتهربين والإرهابيين والمتهربين؟
أطرح هذه الأسئلة لأني ما تعودت في عرف المظاهرات والمسيرات أن تحرض الأحزاب الحاكمة مناصريها على النزول إلى الشارع. العرف السياسي يقضي أن يبقى الشارع للمعارضة فضاء تعبر فيه عن مطالبها وتفرض من خلالها تعديلات في توجهات الحكام وسلوكاتهم.
إلا إذا كان الغرض من هذا النزول إصرار تلك القوى السياسية على الإعلان الجماهيري الاستعراضي لوفائها العقدي "للإسلام السياسي" واستحواذها على "دين التونسيين" ودين الله للتكلم باسمهما والمناورة بهما من أجل مزيد من التمكين. إنها مناسبة "للتكبييييير " والتكفير ومبايعة "الشيخ الكبير"... لا أرى غرضا آخر غير هذا مما يؤكد أن تصورات بعض "القوى المدنية" حول تخلص "الأحزاب الدينية" من "دينها السياسي" باتت أوهاما وأننا مقبلون على مرحلة نستعيد فيه الصراع الذي عرفناه على امتداد سنوات 2013 - 2011.
يبدو أن تمكن النهضة من دواليب الحكم ومؤسسات الدولة لم يحقق لها أغراضها وأهدافها وأن "الديمقراطية"، حتى الشكلية منها، محدودة الفاعلية ولم تكن كافية لفرض سلطانها بل ورطتها مع أحزاب ترفض أن تستسلم ومنظمات وطنية (خصوصا الاتحاد العام التونسي للشغل) تأبى التبعية ومع جمعيات مدنية حافظت على قدر من الاستقلالية ومع قوانين يمكن أن تنقلب عليها وتوظف ضدها كما الحال مع الملفات المحرجة (التعويضات - التسفير - الاغتيالات - الجهاز السري - الإرهاب - التطرف الديني وغيرها).
إن القطار الآتي من قابس (رمزيا بعد امتناع الشركة) قطار يخفي قطارا آخر أكثر خطورة. وبهذا توفر "أحزاب الحزام" فرصة أخرى قد تستفيد منها القوى الديمقراطية والوطنية لتجميع إراداتها للدفاع عما بقي حديثا من مكتسباتها وعن "مدنية الدولة" و"مدنية المجتمع"،
إلا إذا حال غباء تلك القوى دون ذلك وخانتها الفطنة وما بقي من ذكاء.
![]() |
الاستاذ عادل الحداد |
التعليقات