الدكتور زهير الجندوبي كان محمد بن عمر المروذي معتقدا لمذهب الشيعة معروفا بذلك فلما استولت الشيعة العبيديّون على تونس أسرع إليهم، ودخل في ...
 |
| الدكتور زهير الجندوبي |
كان محمد بن عمر المروذي معتقدا لمذهب الشيعة معروفا بذلك فلما استولت الشيعة العبيديّون على تونس أسرع إليهم، ودخل في دعوتهم فولّوه قضاء إفريقية فتصلّب وتكبّر وتجبّر. وكانت أيّامه صعبة جدّا، أخاف فيها أهل السنّة وأرهبهم.. وأظهر العبيديّون تبديل مذهب أهل البلد بالقوّة والبطش، كما يفعل الرَّعاعُ ممن يغيّرون الفقه الموجود بدعوى إقامة السنّة بفهم سلف الأمة؛ وكأنّ المذاهب مُخترعة من أهواء النّاس.. وجبروا الناس على مذهبهم بطريق المناظرة وإقامة الحجّة حسب زعمهم، وقتلوا رجلين من أصحاب سحنون، ورَوَّعُوا أهل البلد، تماما كما يُقتل ويُختطف ويُروّع العلماء المخالفون لمُدّعي السنة في زماننا..
لكن جزى اللّه مشيخة القيروان خيرا، هذا يموت، وهذا يُضرب، وهذا يُسجن وهم صابرون لا يفرّون..
وكان من المُتَصَدِّين للعبيديّين أبو سعيد الحدّاد؛ نسبة للحدّاد جدّه لأمّه؛ فقيه صالح فصيح عالم بالعربيّة مُتَعَبِّد؛ لم يُرَ أسرع منه دمعة.. وهو أحد رجال زمانه في المناظرة؛ كان يردّ على أهل البدع المخالفين للسنة، وله في ذلك مقامات مشهورة، وآثار محمودة، ناب عن المسلمين فيها أحسن مناب..
تصدّى أبو سعيد للدّولة العُبَيْديّة الشيعيّة.. وكان يقول: قد أَرْبَيْتُ على التّسعين وما لي في العيش من حاجة، وقتيل الخوارج خير قتيل، ولا بد لي من المناظرة والمناضلة عن الدين، وأن أبلغ في ذلك عذرا..
أرسل عبد اللّه بن عمر المروذي قاضي الشّيعة مرّة في طلب العلماء القيروان من المالكية والحنفيّة، فقال: إني أمرت أن أناظركم في قيام رمضان (أي في التراويح، لأنّ الشيعة يرونها من بدع عمر بن الخطاب، كما يرى بعض المتنطعين أنها لا تزيد عن ثمان ركعات)، فإن وجبت لكم حجّة رجعنا إليكم، وإن وجبت لنا رجعتم إلينا..
قال أبو عثمان سعيد بن الحدّاد: فقلت له: ما نحتاج إلى المناظرة..
فقال: لا بد منها... ألستم تعلمون وتروون أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم تسليما لم يقم إلا ليلة ثم قطع؟ وأن عمر بن الخطاب هو الذي استنّ القيام. وقد جاء في الحديث الذي تروونه وتروّونه: "إنّ كلّ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النّار"؟؟
فقال له: هذه البدعة من البدع التي يرضاها اللّه عزّ وجلّ، ويَذُمّ من تركها. فقال الشيعيّ: وأين تجد في كتاب اللّه عزّ وجل؟
قال: في قوله: "وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها (الآية من سورة الحديد). فنحن نُثَابِرُ على هذه البدعة التي هي رهبانيّة، لئلا يذمّنا اللّه عزّ وجل كما ذمّهم..
فقال القاضي الشيعي: "من صلّى القيّام ضربت عنقه".
فقال له ابن الحدّاد: قد قلت لك هذا أوّلًا ما تحتاج إلى المناظرة، فلم تقبل..
قال الدّبّاغ بعد أن ذكر القصّة في معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان: يريد أنّه عليه السلام إنّما لم يتماد على القيام لئلّا يُفْتَرَض على أمّته وبموته أُمِنَ من ذلك. فأقامه عمر للأمن من ذلك..
